الجاحظ حول الآية الكريمة: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها «١» فهو يستخدم ألفاظه معيدا إياها: «كيف دلّ بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر، والحبّ والثّمر والحطب والعصف واللباس والنار والملح، لأن العيدان والملح من الماء» «٢».
وأحيانا ينفرد بالنظرة، فيستطيع أن يبرز جمال الاختزان، كما صنع في تأمله في الآية: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ «٣»، يقول: «والتعريض في الخطبة أن يقول الرجل للمرأة: إنك والله لجميلة، ولعل الله أن يرزقك بعلا صالحا، وإن النساء لمن حاجتي، هذا وأشباهه من الكلام» «٤».
فكلمة «عرّضتم» تشمل معاني جمّة تتبادر إلى الذهن، وليته ربط هذه الإشارة بالغائية الأخلاقية في المفردة، فبها ينهج القرآن للمؤمنين منهج السّتر والتأدب في خطبة المرأة المعتدّة، وهي ممنوعة من النكاح، والكلمة توحي بكسر فاعلية اعتراض الرجل للمرأة في هذه الحالة.
ولعل البلاغيين استمدوا من هذه المفردة اسم مصطلح التّعريض الذي قيل في تعريفه: «أن نذكر شيئا يدلّ على شيء لم يذكر، وأصله التّلويح عن عرض الشيء» «٥».
- الإيجاز عند الرماني والباقلاني:
يتخذ مفهوم الإيجاز طابعا عاما لدى الرماني، فشواهده تدلنا على جميع أقسام الإيجاز، وهي تشمل المفردات التي ذكرها الجاحظ، فهذا الإيجاز يشمل الحذف كحذف المفعول به وجواب الشرط، واختزال عدد الكلمات، وغير
(٢) الجاحظ، البيان والتبيين: ٣/ ٢٦، وانظر ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص/ ٤.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٣٥.
(٤) ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص/ ٢٠٤.
(٥) ابن قيّم الجوزية، الفوائد، ص/ ١٣٥.