والمعنى، وهو في مفهومنا المعاصر احتواء المفردة موضوعها: «فإنه سبحانه أتى بأغرب ألفاظ القسم بالنّسبة إلى أخواتها، فإن «والله» و «بالله» أكثر استعمالا، وأعرف عند الكافّة من «تالله» لمّا كان الفعل الذي جاور أغرب الصّيغ التي هي في بابه، فإن «كان» وأخواتها أكثر استعمالا من «تفتأ» وأعرف عند الكافّة، ولذلك أتى بعدهما بأغرب ألفاظ الهلاك، وهي لفظة «حرض»، ولمّا أراد غير ذلك قال في غير هذا الموضع: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ «١»، لمّا كانت جميع هذه الألفاظ مستعملة، وعلى هذا فقس، والله أعلم» «٢».
فالغرابة تمثّل انسجام مفردة مع ما يجاورها، ويبدو أن غرابة الموقف تحكّمت في اختيار المفردات المعبّرة، إضافة إلى النّبرة القوية التي تمثّل غضبهم واشمئزازهم، وقد تحدثنا عن جمالية الصوت التي رآها عبد الكريم الخطيب في هذا الشاهد.
والجدير بالذكر أن هذه المفردة ذكرت مرة أخرى في السورة نفسها، فعلى لسانهم يقول عز وجل: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا «٣»، والموقفان متشابهان.
ومما يعضد هذا تأمل الرافعي في كلمة «ضيزى» في قوله تعالى:
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «٤»، يقول: «وفي القرآن لفظة غريبة، وهي من أغرب ما فيه، وما حسنت في كلام قطّ إلا في موقعها منه، فكانت غرابة اللفظ أشدّ الأشياء ملاءمة لغرابة هذه القسمة التي أنكرها، وكانت الجملة كلّها كأنّها تصور في هيئة النّطق بها الإنكار في الأولى، والتّهكم في الثانية، وكان هذا التصوير أبلغ ما في البلاغة، وخاصّة في اللفظة الغريبة التي تمكنت في موضعها من الفصل، ووصفت حالة

(١) سورة فاطر، الآية: ٤٢.
(٢) ابن أبي الاصبع، تحرير التحبير: ١٩٥ وانظر ابن أبي الاصبع، بديع القرآن، ص/ ٧٨، والفوائد، ص/ ١٤٥، والبرهان: ٣/ ٤٣٣.
(٣) سورة يوسف، الآية: ٩١.
(٤) سورة النّجم، الآية: ٢٢.


الصفحة التالية
Icon