الخوف، فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشيّة، إذا كانت يابسة، وذلك فوات بالكليّة، والخوف من قولهم: ناقة خوفاء، إذا كان بها داء، وذلك نقص، وليس بفوات، ومن ثمّة خصّت الخشية بالله تعالى في قوله سبحانه:
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ «١».
وهذا الجنوح إلى الأصل الحسّي للمفردة قبل الاصطلاح الذهني المجرد مستفاد من سفر الراغب الأصفهاني الذي ردّ كلمات القرآن إلى الأصول الحسية، وهذا السّفر هو «الغريب في مفردات القرآن» وضعه في القرن الخامس.
وكأنّما أراد الزركشي أن يربط بين الطابع الحسّي في الأصل، وبين مقدار التأثير في الاصطلاح الجديد، فتوصّل إلى أن مخزون الخشية أعظم، وقلّما يعود الباحث المعاصر إلى الأصل اللغوي، أو يحكّم معيار اللغة، فقد قال شوقي ضيف في هذا الشاهد: «الخشية خوف ممزوج بتعظيم وإجلال، فهي أخصّ من الخوف، إذ الخوف توقّع العقوبة، والخشية انقباض وهيبة وسكون إلى الله بعمل الطاعات، وإخلاص واعتصام به من خوف عذابه» «٢».
ولا يفهم مما سبق أن الخشية اطّرد ذكرها متعلّقا بالله، والخوف بغيره، والحق أن الزركشي دأب دائما في استدراك الأمور كيلا يصل إلى تعميم مغلوط فقد قال: «فإن قيل: ورد يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «٣»، قيل: الخاشي من الله بالنسبة إلى عظمة الله ضعيف، فيصحّ أن يقول: «يخشى ربّه لعظمته، ويخاف ربّه، أي لضعفه بالنسبة إلى الله تعالى، وفيه لطيفة، وهي أن الله لمّا ذكر الملائكة وهم أقوياء، ذكر صفتهم بين يديه، فبيّن أنهم عند الله ضعفاء، ولما ذكر المؤمنين من الناس
وانظر السيوطي: معترك الأقران: ٣/ ٦٠٢.
(٢) ضيف د. شوقي، ١٣٩٠ هـ، سورة الرحمن، وسور قصار، ط/ ١، دار المعارف بمصر، ص/ ١٩٥.
(٣) سورة النحل، الآية: ٥٠.