ووقفات المحدثين على قلتها تتّسم بالغنى والعمق، وهي لا تأتي تحت عنوان معيّن، فهذه الجمالية لم تكن تحت عنوان ائتلاف اللفظ والمعنى، أو مشاكلة اللفظ للمعنى، أو الفروق اللغوية، أو مراعاة النظير، شأن القدامى، إن هي إلا نظرات فنية تستوفي الأبعاد النفسية، وهي التي لم يهملها أسلافنا في الغالب، إلا أنه يؤخذ على الباحث الحديث الاكتفاء بالذات الشاعرة، وهذا كثير في أسلوب سيّد قطب.
ومن الواضح الجلي الذي يدلّ على العمق النفسي ما يرد في كتب الدكتور نور الدين عتر على اختلاف مناهجها ومقاصدها، وقد قدّم شذرات رائعة في تفسيره لبعض
السّور، وفي قوله عزّ وجلّ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ «١» يدلنا على جمال الفرق، إذ يقول «فعبّر بكلمة «ووصّينا» بدلا من أمرنا، إشعارا بأنّ المسألة مفروغ منها تحتاج إلى تحريك النفس نحوها، لا إلى الإلزام» «٢».
وبهذه الطريقة السامية يقرّر القرآن الكريم أحكامه الشرعية، فقد أحاط بالإلزام رفعة المخاطبة مع بعث الرّحمة في التّوصية.
ونرى أن دراسة عائشة عبد الرحمن تتسم بالموضوعية الواضحة، لأنها تنطلق من الأصل اللغوي في استعمال العرب، وترصد استخدام المفردة المدروسة في القرآن كلّه، ومن ثمّ تفرغ للدلائل النفسية التي تبثّها المفردة المنتقاة من بين مرادفاتها، وهذا لم يبعد عن ذهن الزركشي مثلا.
- ظلال الدلالة الخاصة:
لا نقف هنا على الفروق، إنما نتتبّع ما ورد عند الباحثين حول اختيار مفردة تلقي إشعاعا شاملا في مفردات السياق كلّه، من حيث لا يسدّ غيرها هذا المكان، وتنفرد بمكانها من حيث ملاءمة أقصى التأثير، وقد تكون الكلمة عادية في استعمالنا، فإذا قرأناها في الآيات، وجدنا أنها تتجاوز كلّ تعابيرنا،
(٢) عتر، د. نور الدين، محاضرات في التفسير: ٦٧، وهي فائدة لطيفة أتى بها في هذا المقام.