تقديرها، فتحزّنت إلى ربّها» «١».
فقد كانت ترجو أن يكون المولود صبيا لكي يخدم بيت الله المقدّس، وليست الحسرة لمجرد كون المولود أنثى كما كان في الجاهلية، فهي كانت تظنّ أن الذكر أولى بالنّذر من الأنثى، وإلا فكمال العبودية يمنع من هذه الحسرة.
ومن مظاهر تداخل المصطلحات البلاغية أن يعدّ ابن أبي الإصبع هذه الجمالية في باب ائتلاف اللفظ والمعنى في كتابه «تحرير التحبير»، وتوضع الشواهد نفسها تحت عنوان «فرائد القرآن» في كتابه «بديع القرآن»، وهو يعرّف هذا النوع قائلا: «وهو مختصّ بالفصاحة دون البلاغة»، لأنّه عبارة عن إتيان المتكلم في كلامه بلفظة تنزل منزلة الفريدة من حبّ العقد، وهي الجوهرة التي لا نظير لها، تدلّ على عظم فصاحته، وقوة عارضته، وجزالة منطقه، وأصالة عربيته، بحيث تكون هذه اللفظة إذا سقطت من الكلام عزّت الفصحاء غرابتها» «٢».
ونلاحظ في التعريف اهتمامه بالمتكلم، وهذا ديدن علماء البلاغة، فكأنهم يدرّسون هذا العلم، ويستعينون بالبلاغة القرآنية.
ويستشهد بالآية الكريمة: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ «٣»، ولا يبيّن لنا سمة هذا التفرّد، فلا يكفينا أن نعرف أن القرآن استقلّ بهذه الصّيغة أو تلك، إنما نريد التوصّل إلى أبعادها الجمالية، وكذلك لفظة «فزّع» في قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ «٤» فهو يقول: «فانظر إلى لفظة «فرّغ»، وتأمل غرابة فصاحتها، لتعلم أن الفكر لا يكاد يقع عليها» «٥».
(٢) ابن أبي الإصبع، بديع القرآن، ص/ ٤٨٦، وانظر ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير ص/ ٤١٥.
(٣) سورة غافر، الآية: ١٩.
(٤) سورة سبأ، الآية: ٢٣.
(٥) ابن أبي الإصبع، بديع القرآن، ص/ ٢٨٨، وانظر ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير، ص/ ٤١٨.