يستخدمها الكاتب، بينما مهارة الحديث تتناول أيضا ما للمحدّث من شخصية قد يكون أثرها أكبر وأعمق من أثر الألفاظ» «١».
والقرآن كلام الله عز وجل، وهو أقرب من حبل الوريد، فلا عجب في أن يضاف إلى حيّز الأدب سموّ المحدّث تبارك وتعالى، وهذا سيتّضح في دلالات خاصة للمفردات في فقرة لا حقة، قال تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ «٢».
- الشكل والمضمون:
تتمتع الكلمة في المضمار الأدبي بثنائية الشكل والمضمون، وفي الأدب الراقي يتضح أن الشكل ليس زخرفة بالية، بل يساند المضمون الفكريّ، ومؤيدات هذا التلاحم، وهذا التلاؤم المنسجم بين الطرفين تنبع من النص نفسه، وتنطلق الأحكام من خلال جوّ المفردة في خضمّ المفردات، وهي تصافح حاسة السمع قبل أن تطرق باب المشاعر، أي ترجمتها في سجلّ الوعي، ذلك لأنها صوت أولا، ومعنى في الدرجة الثانية.
لقد جنح الشعر الحديث إلى الموسيقا الداخلية المتوخّاة في طيّات الكلمات، إذ استعاض بها عن الوزن والقافية، والأديب البارع من يوظّف القيمة الصوتية في رسم المعاني، ويشخصها للمتلقي، لأنّ الإيقاع يجب أن يمثّل الحالة الشعورية، ولن يبلغ الشّعر شأو القرآن.
والاهتمام بجمال صوت الكلمة- أي صورتها الأولى- قديم قدم الأدب العربي، ولطالما جنح النقاد ودارسو الإعجاز القرآني إلى استحباب ألفاظ لمجرّد حلاوة نغمها، وذلك دونما توهم يربط بين الصوت والمعنى، كما سنجد في كثير من تعليقات الدارسين.
والحق أن «رقة اللفظ، وحلاوة الحروف، والسّلاسة والسّهولة والعذوبة، إشارات مصيبة، ووعي سابق على عصرنا، وهي تدلّ على تذوق أسلافنا

(١) كرمبي، لاسل آبر، قواعد النقد الأدبي، تر: محمد عوض محمد، ص: ٤٠.
(٢) سورة الطور، الآية: ٣٤.


الصفحة التالية
Icon