قدّموا جهودا كبيرة في استيعابها للمعنى وحقّها بالمقام، وإن مالت بعض النظرات إلى الإجمال.
٢ - أدرك القدامى النّغم الموسيقى، وقد دلّنا استقراء جهودهم على أن غاية المفسّر القديم لم تنصبّ في إبراز الجمالية الموسيقية، وأنّ مصطلحهم المجمل لا يعني- إطلاقا- عدم فهمهم وإحساسهم بتنغيم المفردات، بل كانت غايتهم تنحصر في جلاء المعنى وتوصيلة بدلا من التّكهّن في أهمية موسيقا تشكيل المفردات، فهم اكتفوا بالإشارة إلى مواطن جمال الصوت بمصطلحات مثل:
فصاحة وعذوبة وخفّة وغير هذا، ولم يتوسعوا في توضيحها وربطها بمعايير فنية جليّة، وذلك لعدم وجود الثقافة الفنية الخاصّة بهذه الجمالية، ولاهتمامهم الكبير بالصورة البيانية، لذلك لا ندّعي أن المحدثين ابتدعوا هذه الجمالية، فقد كانت إشارات القدامى مفتاحا لهم، كما أشرنا منذ قليل.
٣ - تسلّح المحدثون بالثقافة الفنية المعاصرة، واعتمدوا على ما بذله أسلافهم القدامى، فدلّوا على الأثر النفسي في نظراتهم، وتوسّعوا في ربط الصورة البصرية أو السّمعية بالوجدان، إلا أنهم لم يضيفوا الكثير بالنسبة لعلاقة المفردة بالمعنى وتمكّنها في الآية فقد كانت للقدامى جولات رائعة في هذا المضمار بأساليب مختلفة.
٤ - أكّد المحدثون علاقة الأنغام بتصوير المواقف، وكان بعض هذه النظرات واضحا يعتمد الذوق والمعيار، وكان بعضها الآخر غامضا يعتمد الذوق الشّخصي، ولا يمكن أن يبرّر، فكان لا بدّ من الرجوع إلى معرفة صفات الحروف وطبيعة التشكيل الداخلي للمفردات لتأكيد العلاقة بين الصوت والموقف.
ولا بدّ أن نعتذر في آخر المطاف عن عدم الاقتباس من كتب التفسير الصوفي، على الرغم من أن الصّوفيين اهتموا بالجميل والجليل عند ما فسّروا القرآن، كما نجد هذا في التفسير المنسوب إلى الشيخ محي الدين بن عربي ٦٣٨ هـ، فلا يفهم عباراتهم إلا من اشتغل بالشّئون الرّوحية، كما أن تذوقهم الوجداني قائم على حدس نفسي تكثر فيه الشّطحات، ولم ترتكز نظراتهم على


الصفحة التالية
Icon