مختلفة نتيجة الوجه المدروس للمفردة، وتميّز نظرة الباحث وثقافة عصره، وهذا النّمط هو الذي يخصّ بحثنا.
- نظرية النظم:
لم تكن نظرية النظم وليدة فكر الإمام عبد القاهر الجرجاني، فقد كانت صلب دراسة الإعجاز البياني عند الجاحظ وغيره، ولهذا فقد تداولوا معانيها وأسسها، وشرحوا شيئا من ماهيتها وأصولها إلى أن وصلت إليه، فلا يوجد دارس قبله قد نفى فكرة النظم.
وغايتنا في هذه الفقرة البحث فيما إذا كانوا صارمين مغالين فيها، ومتجاهلين استقلال المفردة بجمالها، أم أنهم اعترفوا هنا وهناك بفصاحة المفردة ودورها في الأداء.
ومما لا شك فيه أنه لم يكن هناك أشدّ مغالاة من الجرجاني الذي بيّن هذه الفكرة، ووضع قوانينها الواضحة في تحليله الوافي، وسوف نبحث في حجج تؤيد النظم، وحجج تؤيّد استقلال المفردة بالجمال في كتب الإعجاز.
يتبيّن في جهود الأسلاف أنهم لم يبدوا الرأي المتشدّد الذي لا يتزحزح في تأكيد النظم، بل ترجّحوا بين المفردة والنظم، ولا يهمنا هنا سبق الجاحظ أو غيره إلى وضع هذا المصطلح البلاغي، على الرغم من أن له كتابا مفقودا بعنوان «نظم القرآن»، وقد تبعه آخرون في وضع كتب بالعنوان نفسه أمثال أبي بكر السجستاني وأبي زيد البلخي، وابن الإخشيد في القرن الرابع الهجري، كما يقول أحمد صقر، وشوقي ضيف الذي وجد أن الجاحظ هو من ابتكر هذا المصطلح «١»، وما يهمنا أن نبحث في جذور هذه الفكرة في كتب الإعجاز المطبوعة.
إذا كان كتاب الجاحظ مفقودا- ويغلب أنه تضمن سائر وجوه البلاغة- فإن