ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلّا في موضع العقاب، أو في موضع الفقر المدقع، والعجز الظاهر، والناس لا يذكرون السّغب، ويذكرون الجوع في حالة القدرة والسلامة، وكذلك ذكر المطر، لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث» «١».
وتوثيقا لرأيه نورد بعض الآيات التي سدّد النظر إليها، وجعل منها معياره، بنظرة تشمل دقة الانتقاء القرآنى وبموافقة للوضع اللغوي السليم، يقول تعالى:
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ «٢»، فالصيغة القرآنية اختصت المطر لا الغيث، لأنه أقوى، وأغزر تدفق مياه، فناسب عقوبة المجرمين، وقد ذكره القرآن على سبيل الاستعارة في قوله عز وجل: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ «٣».
وفي كلامه على نعمته في الأرض، قال عز وجل يدل البشر على سنّته في الكون في ترعرع النبات: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ «٤»، لأن النبات يريد رحمته التي تتجلّى في الماء الخفيف، فينتعش، ولذلك لم يذكر المطر الذي يغرقه.
ومن هذا القبيل الفرق بين الجوع والسغب، يقول عزّ شأنه: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ «٥»، فتطلّبت الإهانة والتهديد أقسى حاجة للطعام، فحقّ لهذه الكلمة أن تذكر في أصحاب النار، حيث يكون الجوع غاية الحاجة الفيزيولوجية للطعام، وفي أبشع طلب لهذه الحاجة.
وليس كالسّغب الذي اختير في مكان الرحمة، وبعث همّة المؤمنين لمساعدة الآخرين المحتاجين خصوصا إذا كانوا يتامى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٨٤.
(٣) سورة الأنفال، الآية: ٣٢.
(٤) سورة الشّورى، الآية: ٢٨.
(٥) سورة النّحل، الآية: ١١٢.