الإعجاز المحدثين إلا صبحي الصالح «١» الذي يقول بالترادف، أما القدامى فقد لفتت نظرهم هذه الفروق في دراستهم للبيان القرآني، فوصلتنا نظرات متفرقة وكتب وافية.
ومن المحدثين من وقف على الآية الثانية التي نستدل بها على دعوة القرآن إلى عدم الترادف، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا، وَقُولُوا انْظُرْنا «٢». فأدلى برأي الترادف وهو يحسب أن القرآن «كفى شر استعمال هذه المفردة عند ما انطلقت من ألسنة سفهاء اليهود، وأرشدهم إلى مرادف لها في «تمام الدلالة» لأنهم اقتربوا بها من معنى الرّعونة» «٣».
ولا شك أنه دلّهم على لفظة أخرى، ومعنى آخر، وفي هذا يقول أبو السّعود: «المراعاة المبالغة في الرعي، وهو حفظ الغير، وتدبير أموره، أي راقبنا وانتظرنا، وتأنّ بنا حتى نفهم كلامك ونحفظه، وكانت لليهود كلمة عبرانية أو سريانية يتسابّون بها فيما بينهم، وهي كلمة (راعينا)، قيل معناها اسمع لا سمعت، فلما سمعوا بقول المؤمنين ذلك افترصوه، واتخذوه ذريعة إلى انتقاص النبي ﷺ بتلك المسبّة، أو نسبته إلى الرّعن، وهو الحمق والهوج» «٤».
نستنتج أن الكلمة المرادفة، هي أقرب الكلمات من حيث اشتراك المعنى في بعض أجزائه، ولا تعني المطابقة تماما، واللغة لا تقدّم كلمة أخرى في المعنى نفسه إلا إذا حصل تغيّر، طفيفا كان أو كبيرا في المعنى المطلوب.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٠٤.
(٣) قطب، سيّد، ١٩٨٢، في ظلال القرآن، ط/ ٨ دار الشروق، بيروت، مج/ ١: ١/ ١٠٠.
(٤) أبو السعود، إرشاد العقل السليم، مج/ ١: ١/ ١٤١، الرّعن: سوء المنطق، والهوج: اضطراب وطيش. وكلمة (روع): معناها في اللغة العبرية سيّئ، و (راعينا): سيّئنا، وليست سريانية.