كما أننا تلمّسنا هذا الجمال في كتب اختصت بالبلاغة العربية، وبحثنا فيها عن لمحات الدارسين لدى الاستشهاد بالقرآن الكريم، ويضاف إلى هذا شمول البحث لجهود الدارسين منذ العصور الإسلامية الأولى، وهذا ما جعلنا نرجع إلى معظم المصادر في الشاهد الواحد، لإجراء موازنة في كثير من الأحيان، ولتوضيح إضافات اللاحقين على السابقين، واختلاف منحى كلّ دارس عن غيره.
وتمثّلت الصعوبة كذلك في الرجوع إلى كتب ذات اختصاصات مختلفة، كان لها إشارات جيدة إلى بلاغة القرآن، وكتب الجاحظ خير مثال على هذا، وقد ألمّ العلماء المسلمون بفنون البلاغة على الرغم من اختلاف اختصاصاتهم، إذ كان القرآن الكريم الركيزة الثابتة في تكوين ثقافتهم، فلا يخلو واحدهم من الإلمام بفن القرآن الكريم، وإن كان دارسا للتوحيد، أو العلوم الطبيعية أو غير هذا.
وموضوع هذا البحث ليس تقليدا مطروقا، بل فيه تجديد وابتكار، لأنه يقدّم دراسة فنية لنظرات الباحثين، ويقيمها وفق مبادئ الفن، ويحدد المعايير التي اعتمدها الباحثون من خلال مفهوم الجمال الفني. وبما أنني اتبعت المنهج التاريخي في دراسة كل جانب من جمال المفردة القرآنية، فكان لا بد من رصد هذه الجمالية في أوائل كتب الإعجاز مثل رسالة «البيان في إعجاز القرآن» للخطّابي، ورسالة «النّكت في إعجاز القرآن» للرّمّاني، إضافة إلى نظرات الجاحظ في كتابيه: «البيان والتبيين» و «الحيوان»، وكذلك اعتمدت على الباقلّاني صاحب «إعجاز القرآن»، وابن سنان في «سرّ الفصاحة»، وضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر»، وسرت وفق هذا السرد التاريخي، لأتبين معالم جمالية المفردة في «بديع القرآن» لابن أبي الاصبع، و «الطراز» ليحيى العلوي، ووقعت على تأملات رفيعة في كتب تتحدث عن علوم القرآن مثل «البرهان» للزركشي و «الإتقان» للسيوطي.
أما كتب التفسير، فقد اقتصرت على التفاسير التي عنيت بالجوانب البلاغية في القرآن، فكان «الكشاف» للزمخشري أهمّ مصدر لي، وكذلك تفسير النّسفي