وقد استعانت بالمنهج الاستقرائي الإحصائي وبالمقارنات، مما ساعدها على استنتاج موفّق مؤدّاه أن الفروق لا يمكن أن تمحى، وذلك منذ عام ١٩٦٤ حين وضعت بحثا في «مشكلة الترادف اللغوي في ضوء التفسير البياني»، وتقول: «شهد التّتبّع الدقيق لمعجم ألفاظ القرآن، واستقراء دلالتها في سياقها، بأن القرآن يستعمل اللفظ بدلالة محدودة، ولا يمكن معها أن يقوم لفظ مقام لفظ آخر» «١».
ولم يكن لهذه الباحثة نظرات متفرقة في هذه الفكرة، فهي قوام دراستها التفسيرية لقصار السور في جزئي «التفسير البياني»، ويمكن أن يعدّ كتاباها معجمين للفروق البيانية القرآنية، وقد فنّدت آراء القدامى، وذلك خلافا لما نجد في كتب كثير من المحدثين المتكئين في نفي الترادف على شذرات متفرقة من «الكشّاف» و «المثل السائر» خاصة، فدراستها تتسم بالجدة والأصالة، وكثيرا ما ظل غيرها في إسار التقليد من غير تحرّ لمادة البحث.
وعلى سبيل المثال نورد تفسيرها للآية: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ «٢» تقول بعد العودة إلى الأصل المادي: «وتفترق الخشية عن الخوف، بأنها تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه، كما يفترق الخشوع، بأننا لا نخشع إلا عن انفعال صادق بجلال من نخشع له، أما الخوف فيجوز أن يحدث عن تسلّط بالقهر والإرهاب، كما أن الخضوع قد يكون تكلّفا عن نفاق وخوف تقيّة ومداراة، والعرب تقول خشع قلبه، ولا تقول خضع قلبه إلا تجوّزا» «٣».
وأخيرا لا يعني ما تقدّم أننا ننفي- كليا- القول بالترادف، فعائشة تعود إلى شرط تعدد اللغات قائلة: «وإنما يشغلنا الترادف حين يقال بتعدّد الألفاظ للمعنى الواحد، دون أن يرجع هذا إلى تعدد اللغات، ودون أن يكون بين
(٢) سورة يس، الآية: ١١.
(٣) عبد الرحمن، د. عائشة، الإعجاز البياني للقرآن، ص/ ٢٢٩.