في هذا المجال بمراعاة دقائق فنية موسيقية، وهي ما يدعى بالموسيقى الداخلية، ومن الجهل أن يعدّ التجويد زركشة، ذلك لأن الذوق والقانون الصوتي متلازمان.
وفي القرآن نجد حضّا على جمال الأداء في قوله عزّ وجلّ: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ، وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا «١»، ويؤكّد لنا فعل الترتيل بالمفعول المطلق، وهو ما يفوق الإنشاد والقراءة العادية، ويسمو على مطّ الغناء واضطرابه، وقد ذكرت هذه الآية في سورة تحمل اسما من أسماء القرآن، إنها سورة الفرقان، أما المكان الثاني الذي يذكر فيه الترتيل، فهو سورة المزمل، أوائل نزول الوحي المبارك، وفي هذا حجّة على إعجاز نسقه، والسورتان من العهد المكي، حيث تعنّت الكفار وعنادهم، يقول تعالى في سورة المزمل: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «٢». وكذلك يؤكّد الفعل بالمفعول المطلق، وهنا يختصّ الترتيل بزمن الليل زيادة في جماله في هدأة الليل، حيث صفاء النفس، وذلك لأن المولى عزّ وجلّ عليم بأن السمع نافذة على النفس، وحافز على الانفعال والتفاعل مع متطلبات دينية حيوية وأخروية.
وقد سبق علم التجويد تشجيع الرسول عليه الصلاة والسلام على الأداء الحسن الذي يركّز على الإحساس بالتشكيل الموسيقى في إيقاع القرآن، ذلك الأداء الذي يراعي دقائق داخلية يمتاز بها النّسق القرآني من مدود وصفير وجهر وقلقلة «٣»، مما يعرف عن صفات الحروف، إضافة إلى تجميل الصوت عند أداء القرآن.
وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم: «قرأ عام الفتح في مسير له سورة الفتح على

(١) سورة الفرقان، الآية: ٣٢.
(٢) سورة المزمل، الآيات: ٢ - ٤.
(٣) الصّفير: صوت زائد يخرج عند النطق بالصاد أو الزاي أو السين. والجهر:
انحباس النّفس في المخرج عند النطق ببعض الحروف كالجيم والطاء والظاء والقلقلة: تحريك المخرج والصوت بعد انضغاطهما وانحباسهما ثم يخرج الصوت قويا من المخرج محدثا نبرة وهزّة،
وحروفها جمعت في «قطب جد»
.


الصفحة التالية
Icon