عدّة شعراء «١».
وقد وردت مقارنة القرآن بالشعر على لسان مشركين آخرين، ومنهم من آمن، بعد أن انتهى إلى سمو النظم القرآني، ومخالفته للشعر، فقد روى أبو ذر الغفاري عن أنيس أخيه رضي الله عنهما- وقد كان شاعرا-: «لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون» «٢».
وقرين هذا الوعي ما حصل عند مجيء عتبة بن ربيعة الذي كلّفه المشركون بتقديم المغريات للنبي صلى الله عليه وسلم، لكي يتخلّى عن الدعوة الإسلامية، وقد كان ردّ الرسول الكريم: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟». قال: نعم، قال: «فاستمع مني» قال: أفعل، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ «٣» ثم مضى رسول الله ﷺ فيها يقرؤها عليه، فلمّا سمعها منه عتبة أنصت إليها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك» فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قطّ، والله ما هو بالشّعر، ولا هو بالسحر، ولا بالكهانة» «٤».
لقد أنصت بارتياح إلى هذا النص الإلهي، وأبعد عنه تهمة الشعر لما وجد فيه من حلاوة خاصة تتخلل كلماته، وذلك النسق الفريد الذي اتسم به.
ولا يقتصر مفهوم الأقراء- القوافي- في كلام أنيس رضي الله عنه على الكلمة الأخيرة من الآية أو البيت الشعري، بل يشمل كل النشاط الفني، ويبدو
(٢) مسلم، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة: ٦/ ٢٨، أقراء الشعر: قوافيه.
(٣) سورة فصّلت، الآية: ١ - ٥.
(٤) ابن هشام، سيرة النبي: ١/ ٣١٣.