براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر في حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما) «١».
وقد روى الإمام البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي من طرق عن الزهري به «٢».
وهذه الرواية تشير إلى جملة قضايا هامة في تاريخ جمع القرآن في هذه الفترة، فهي:
أولا: تبين السبب الذي دفع إلى جمع القرآن، وهو: الخوف من ذهاب شيء منه بذهاب حفظته، وهذا الموقف الذي عرضه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بضرورة جمع القرآن، كان تجربة من نوع جديد.
ثانيا: توضح أن القرآن لم يجمع من قبل بهذه الصورة، وذلك مفهوم من تردد الصديق وزيد بن ثابت، وقولهم: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فبعد أن اطمأن الصديق وشرح الله صدره لذلك، عرض الفكرة على زيد بن ثابت، ورغب إليه أن يقوم بتنفيذها، تردد زيد أول الأمر، ولكن أبا بكر ما زال به يعالج شكوكه، ويبين له وجه المصلحة حتى اطمأن واقتنع بصواب ما ندب إليه «٣».
شرع زيد في جمع القرآن بطريقة محكمة، وضعها له أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتف بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده،
(٢) ينظر: مسند الإمام أحمد، مسند العشرة المبشرة بالجنة، باب مسند أبي بكر الصديق، رقم (٧٧)؛ وسنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب سورة التوبة، رقم (٣١٠١): ٥/ ٢٨٣؛ وفضائل القرآن لابن كثير: ١٤.
(٣) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٥٠.