يقول القاضي أبو بكر الباقلاني: ويدل على صحة اختيار زيد أن أحدنا اليوم إذا أراد أن يكتب مصحفا يتخذه إماما لا يلتمس له أقدم أهل عصره حفظا وأفهمهم وأشجعهم،
وإنما يلتمس أحسنهم ضبطا وخطا وأحضرهم فهما، دون من كانت تلك صفاته «١».
ويبدو من الطبيعي- بعد ذلك- أن يولي الصديق زيد بن ثابت رضي الله عنهما كتابة القرآن، اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن يولي عثمان زيد بن ثابت رضي الله عنهما أمر الجماعة التي قامت بنسخ المصاحف الموحدة، لأنه كان أعلم من غيره وأكثر ممارسة في هذا المجال «٢».
ومن ثم يبدو طبيعيا أيضا أن لا يشترك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان في الكوفة وقت نسخ المصاحف في ذلك العمل، إضافة إلى أنه لم يكن من بين كتبة الوحي، الذين كتبوا للنبي ﷺ «٣»، وربما كان يعرف الكتابة، ولكن تلك ميزة يقدم بها من اتصف بها في عمل مثل كتابة المصحف ولا يعني ذلك تجهيلا لابن مسعود رضي الله عنه في علم القرآن، فقد كان من أوائل الذين أسلموا بمكة، (وقد أخذ من في رسول الله بضعا وسبعين سورة) «٤»، وهو الذي قال فيه النبي ﷺ حين سمعه يقرأ القرآن: (من أحب أن يقرأ غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم
(١) ينظر: نكت الانتصار للباقلاني: ٣٦٩.
(٢) ينظر: رسم المصحف، د. غانم قدوري: ١١٤؛ مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح: ٨٣.
(٣) ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: ١/ ٦٨؛ سير أعلام النبلاء: ١/ ٣٤٩؛ طبقات ابن سعد: ٦/ ١٣.
(٤) صحيح البخاري، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث (٤٧١٤): ٤/ ١٩١٢.