ورواية الإمام الزهري عن أنس التي هي في الصحيح لا تشير في ظاهرها إلى عدد المصاحف التي تم نسخها، ولا أسماء الأمصار التي أرسلت إليها، وإنما تكتفي بالإشارة إلى عدد إرسال المصاحف إلى كل أفق من آفاق الدولة الإسلامية آنذاك. وهي عبارة توحي بأن عدد تلك المصاحف كان كبيرا، ولا سيما أن الهدف منها هو توحيد المصاحف وقراءة القرآن في كافة الأمصار، فمن المتوقع، إذن إرسال نسخة إلى كل إقليم أو مصر. ولكن وردت روايات عن الأجيال التي تلت جيل الصحابة تشير إلى عدد تلك المصاحف. وينقل ابن أبي داود روايتين في ذلك:
الأولى: عن حمزة الزيات (ت ١٥٦ هـ)، والتي تجعل عدد المصاحف: أربعة، يقول حبيب الزيات القارئ: (كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بمصحف منها إلى الكوفة. فوضع عند رجل من مراد، فبقي حتى كتبت مصحفي عليه) «١».
وقال الداني: بأن أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدة منهن. فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدة. ثم قال: وهو الأصح وعليه الأئمة «٢».
أما الرواية الثانية: التي تجعل عدد المصاحف سبعة، والتي أوردها ابن أبي داود عن أبي حاتم السجستاني، قال: لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة

(١) المصاحف: ١/ ٢٤١؛ وأورده ابن حجر في الفتح عن ابن أبي داود: ٩/ ٢٤ - ٢٥.
(٢) المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار: ١٩؛ ونقل هذا القول عن أبي عمر الداني، أبو شامة المرشد الوجيز: ٧٤.


الصفحة التالية
Icon