ولا يدع رسول الله ﷺ مجالا للشك في شدة يقظته ووعيه في لحظة تلقي القرآن من جبريل، كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه،
(عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا) «١».
فكانت همته عليه الصلاة والسلام بادئ ذي بدء بعد انقطاع الوحي منصرفة إلى أن يحفظه ويستظهره، ثم يقرؤه على الناس على مكث ليحفظوه ويستظهروه «٢»، فقد كان رسول الله ﷺ يتعجل- في بادئ الأمر- في حفظ القرآن، فيسابق جبريل عليه السلام وهو يلقي إليه القرآن ساعة الوحي، فيردد الآيات قبل أن ينتهي الملك من الوحي مخافة أن ينسى منه شيئا، وكان ذلك مما يشق عليه صلى الله عليه وسلم، فجاء القرآن يطمئنه في أول الطريق، وينهاه عن تلك العجلة، فقال تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي

- ٥/ ٣١٧.
(١) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (٢): ١/ ٤.
(٢) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٤٠؛ ومباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح: ٢٨؛ والوحي وإفك المفترين، مقال للدكتور قحطان عبد الرحمن الدوري، في مجلة الرسالة الإسلامية، العددان: ١٢١، ١٢٢، محرم وصفر ١٣٩٩ هـ.


الصفحة التالية
Icon