في أحاديث أخرى: أنه قبض ﷺ ولم يجمع القرآن في شيء)، ودليل آخر لرأيه يقول: وهذا يطابق من خوف عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق، لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة، قالا: نخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، ويتبين من هذا أن سبب الخوف هو قتل القراء، ولو كان القرآن قد جمع وكتب لما كانت هناك علة لخوفهما.
ويضيف قائلا: وفضلا عن ذلك فإن علماء الغرب لا يوافقون على أن ترتيب نص القرآن كما هو اليوم في أيدينا من عمل النبي ﷺ «١».
أقول: إن المنهج الذي درج عليه المستشرقون هنا في الأخذ بالأحاديث التي يتبين من ظاهرها عدم جمع القرآن في عهد النبي ﷺ ورفض الأحاديث التي تفيد جمعه في عهده صلى الله عليه وسلم، هذا المنهج يجافي المنهجية العلمية السديدة، فهناك بعض الأحاديث تحتاج إلى فهم دقيق ودراسة عميقة وتوفيق بينها وبين الأحاديث الأخرى لإزالة هذا الغموض. والتوصل بعد ذلك إلى نتيجة علمية، فعلماء المسلمين لهم تعليقات وتوضيحات حول هذه الأحاديث كحديث زيد بن ثابت عند ما قال: (قبض النبي ﷺ ولم يكن القرآن جمع في شيء) «٢».
أما ما ذكره المستشرق في بداية هذه الشبهة عن جمع القرآن، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بكتابته حين نزوله، هذا أمر مشهور ومتواتر بين المسلمين.
ثم يعقب فيقول: (وهذا الرأي لا يقبله المستشرقون)، فلا يهمنا قبولهم وموافقتهم لهذه القضية بعد عدم قبولهم ما هو أهم من ذلك ألا وهو وحدانية الله تعالى «٣».

(١) ينظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود، مقدمة آرثر جفري: ٥.
(٢) الحديث إسناده حسن، كما مر في مرويات الفصل الأول. ينظر: فتح الباري: ٩/ ١٤؛ والإتقان: ١/ ١٢٦.
(٣) ينظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود، تحقيق: د. محب الدين عبد السبحان وتعليقه


الصفحة التالية
Icon