أحكامه أو تلاوته، قال الزركشي: وإنما لم يكتب في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم في مصحف لئلا يفضي إلى تغييره في كل وقت. فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلّى الله عليه وسلّم «١».
قال مناع القطان بعد أن ذكر قول الزركشي: وبهذا يفسر الأثر المروي عن زيد بن ثابت: (قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء). أي: لم يكن جمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد «٢».
الشبهة الثالثة وردها:
المستشرق ريجي بلاشير «٣» الذي يعد في طليعة المستشرقين المعنيين بالدراسات القرآنية، قال في كتابه (القرآن نزوله وتدوينه): (يبدو أن فكرة تدوين مقاطع الوحي الهامة التي نزلت في السنوات السالفة على مواد خشنة من الجلود واللخاف، لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة) «٤».
ويمضي بلاشير في ذكر شبهاته حول كتابة القرآن، بل حول حفظه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقد شك في حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على كتابة الآيات فور نزولها، وأن خوفه كان شديدا لما نزل عليه؛ ولأن المسلمين كانوا في صراع مع يهود المدينة الذين كانوا يسيطرون على وسائل الكتابة، واستخلص أن النص القرآني لم يكتب بأكمله في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهو لا ينافي اختلاط النص الأصلي ببعض الزيادات الطفيفة التي أدخلت عليه في العهود المتأخرة «٥».
(٢) مباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ١٢٤.
(٣) ريجي بلاشير ريجيس: مستشرق فرنسي كان عمل في وزارة الخارجية كخبير في شئون العرب والمسلمين، ألف كتبا كثيرة، منها: ترجمة القرآن الكريم وتاريخ الأدب العربي، مات سنة ١٣٩٣ هـ/ ١٩٧٣ م. ينظر: الأعلام للزركلي، ط ٤: ٢/ ٧٢.
(٤) (القرآن) نزوله وتدوينه وترجمته وتأثيره، للمستشرق ريجي بلاشير: ٢٨ - ٢٩.
(٥) ينظر: مناهج المستشرقين في الدراسات الإسلامية، د. تهامي نقرة: ٢: ٤٠.