بلاشير عن محاولة عمر في تملك نسخة شخصية من الوحي، وإنها كانت مليكة شخصية، فقد قال مندور: إن حفصة ورثتها على أنها ذمة مالية شخصية «١».
نقول: ماذا عن انتقالها إلى عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما، ثم ما القيمة لنسخة من القرآن الكريم لدى رجل- كعمر بن الخطاب رضي الله عنه- جمعه حفظا على عهد رسول الله ﷺ «٢»، وفي عصر كان المحفوظ فيه أوثق ثبوتا وأعظم حياة في وجدانه وعلى لسانه، إن لم يكن ذلك من أجل الأمة بأسرها «٣»، فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يقوما بما قاما به معا إلا بدافع الإخلاص لكتاب الله تعالى والخشية عليه من أن يطرأ عليه ما يكدر صفاءه كما تلقاه المسلمون من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أن انتهى زيد رضي الله عنه من جمعه لقي عمله استحسان ورضا جميع الصحابة وتواتر ما فيه «٤».
وقد وقع بلاشير في مغالطة أخرى عند ما قال: بأن جمع أبي بكر للقرآن كان مسبوقا ومصحوبا بمحاولات أخرى فردية، وهو يشير إلى أسماء عدد من الصحابة منهم
معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي زيد بن السكن، كما يستدل على ذلك بخبر أبي السباق، ذكره في جمع القرآن، نعم لقد حصلت محاولات فردية سبقت وصحبت جمع أبي بكر للقرآن، ولكنها لم تكن لجمع القرآن، بل لتقييد محفوظ كل منهم، وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بعده مخافة النسيان أو الخطأ «٥».
(٢) ينظر: الإتقان للسيوطي: ١/ ١٢٨؛ وتاريخ القرآن للزنجاني: ٤٦.
(٣) تاريخ القرآن، د. عبد الصبور: ١٠٩.
(٤) ينظر: المستشرقون والقرآن الكريم لمحمد بهاء الدين: ١٩٩ - ٢٠٠.
(٥) ينظر: المدخل إلى القرآن، د. محمد عبد الله دراز: ٣٦؛ وتاريخ القرآن، د. عبد الصبور: ١٠٩؛ وينظر: المبحث الثاني من الفصل الثاني من هذه الرسالة: ١١٩ - ١٢٠.