يقرءونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب، ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لحفظه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقوه من النبي ﷺ حرفا حرفا، لم يهملوا منه حركة ولا سكونا ولا إثباتا ولا حذفا، ولا دخل عليهم في شيء منه شك «١».
ولعل من أهم العوامل التي ساعدت الصحابة رضي الله عنهم على حفظ كتاب الله وتعلمه هو: وجود الرسول ﷺ بين ظهرانيهم، يحفظهم من الكتاب والسنة ما لم يحفظوه ويعلمهم ما جهلوه، ويجيبهم إذا سألوه.. ، ولا ريب أن هذا عامل مهم ييسر لهم الحفظ ويهون عليهم الاستظهار، ولا سيما إذا لاحظنا أنه ﷺ كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب... ، وقد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء «٢»، فأحبوه حبا ملك مشاعرهم، فما حكاه التاريخ الصادق عنهم من أنه ما كان أحد يحب أحدا مثل ما كان يحب أصحاب محمد محمدا ﷺ «٣».
وكذلك ينبغي عدم التقليل من أهمية المشافهة والحفظ، لأن الصحابة رضي الله عنهم حفظوا الحكم والأمثال والقصص والأشعار في الجاهلية فكيف لا تتوافر هممهم على حفظ القرآن في الإسلام، وهو أساس علاقتهم ودستور حياتهم.
وللمشافهة أهمية خاصة لأنها تفيد في التركيز على الفهم والاستيعاب، وكذلك ما كان للناس آنذاك حياة معقدة كالتي نعيشها

- محمد أبو شهبة: ٢٣٨.
(١) ينظر: النشر في القراءات العشر: ١/ ٦.
(٢) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٣١٢؛ وينظر: مقدمتان في علوم القرآن: ٢٣.
(٣) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٣١٢.


الصفحة التالية
Icon