بمحدثة، فإنه ﷺ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع، والأكتاف، والعسب، والقرطاس «١».
غير أن هذا التنوع لا يعني أن الكتابة على تلك المواد الخشنة كانت تشمل أكثر القرآن الكريم، فهنالك أدلة كثيرة تدل على أن المواد اللينة من ورق، أو جلد، بل حتى الحرير كانت من ضمن المواد الأصلية التي كتب عليها القرآن الكريم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام الترمذي وأحمد بن حنبل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال:
(كنا عند رسول الله ﷺ نؤلف القرآن من الرقاع) «٢»، والرقاع يكون من جلد أو ورق.
وكانت العرب قبل الإسلام وبعده تعرف من وسائل الكتابة أدواتها اللينة كالجلد والورق ولا سيما إذا تصورنا أن مكة كانت مركزا تجاريا مهما تقوم التجارة فيها على توثيق العقود وتدوين الحسابات، ومن الأدلة الأخرى أيضا:
لقد كتبت صحيفة قريش في مقاطعة بني هاشم وصحيفة صلح الحديبية ورسائل النبي ﷺ إلى الملوك والأمراء لدعوتهم إلى الإسلام على مواد لينة كما تقتضي بذلك الأخبار الموثقة «٣».
وكيف لا تنتشر هذه الأدوات اللينة بين المسلمين وقد جاوروا أهل الكتاب، وكانت بأيديهم كتب يتدارسونها، وقد تكررت إشارات القرآن إلى هذه الكتب، كما خاطب القرآن العرب بأسماء هذه الأدوات اللينة كالصحف

(١) ينظر: البرهان: ١/ ٢٣٨؛ والإتقان: ١/ ١٢٩.
(٢) سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في فضل الشام واليمن، حديث رقم (٣٦٥٤):
٥/ ٧٣٤؛ ومسند الإمام أحمد، حديث زيد بن ثابت، حديث رقم (٢١٦٤٧):
٥/ ١٨٤؛ وينظر: الإتقان: ١/ ١٢٦؛ والمرشد الوجيز: ٤٤.
(٣) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: ٢/ ١٤، و: ٣/ ٣٣١.


الصفحة التالية
Icon