أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صح أن وجد بينهم من لم يكن أمينا فسرعان ما يتضح أمره. فورد عن أنس رضي الله عنه خادم النبي ﷺ أنه قال: (أنه كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى نصرانيته، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، ثم أعمقوا له ثلاث مرات، فيصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من عمل الناس فتركوه) «١». وهذه الرواية الصحيحة بالرغم من أهميتها إلا أن آيات القرآن كانت أصرح الدلالة في هذا الجانب إذ يقول الباري عز وجل:
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «٢»، وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) «٣».
ويبدو لي أن من الكتاب من ألقيت عليه مهمة تعليم القراءة والكتابة التي صورت لنا المصادر أن الإسلام كان حفيا بها في بواكير محنته مع أهل الشرك والضلال، وكيف أن النبي ﷺ قبل من أسرى بدر تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة فداء لأسرهم.
إن هذا يعكس دون أدنى ريب الوجه الثقافي والحضاري الصاعد في شريعة الإسلام الخالدة، فكان مصعب بن عمير قد نزل- عند مقدمة المدينة- على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دور الأنصار يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عز وجل. وكان مع مصعب بن عمير عبد الله ابن أم مكتوم «٤». ولكي تتضح تلك الأنواع المتخصصة بالكتابة أرى من الضروري
(٢) سورة فصلت، من الآية (٤٢).
(٣) سورة الحجر، الآية (٩).
(٤) ينظر: التراتيب الإدراية ١/ ٤٨؛ والاستبصار للمقدسي: ص ٥٧؛ وينظر: مجلة