صلى الله عليه وسلم. قتل أبوه في يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين «١»، وعند ما قدم النبي ﷺ مهاجرا إلى المدينة كان زيد صبيا ذكيا نجيبا، وكان عمره إحدى عشرة سنة.
فأمره النبي ﷺ أن يتعلم خط اليهود، فأجاد الكتابة وحفظ القرآن الكريم وأتقنه، وكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، كما كتب زيد مغانم النبي ﷺ قبل أن يتولاها معيقيب ابن فاطمة الدوسي «٢».
ثم كتب الكتب إلى الملوك وأجاب عنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يترجم من الفارسية والرومية والقبطية والحبشية، وكان قد تعلمها في المدينة من أهل هذه الألسن، كما جاء في حديث: (يا زيد تعلم كتابة يهود، فإني ما آمنهم على كتابي) «٣». وفي حديث آخر عن زيد بن ثابت قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أكتب إلى قوم أخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا فتعلم السريانية فتعلمتها في سبعة عشر يوما) «٤». وروي عنه أيضا أنه قال: (كنت إلى جانب النبي ﷺ فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذي فما وجدت شيئا أثقل منها. ثم سري فقال لي:
اكتب، فكتبت في كتف «لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون» «٥»، فقام عمرو بن أم مكتوم فقال: كيف بمن لا يستطيع؟ فما انقضى كلامه حتى غشيت

(١) يوم بعاث: اليوم الذي كانت فيه الحرب بين الأوس والخزرج قبل هجرة النبي ﷺ إلى المدينة بخمس سنين، وبعاث اسم موضع من نواحي المدينة تابع لبني النضير. ينظر:
تاريخ الخميس: ١/ ٢٩٧؛ والإصابة: ١/ ٥٦١.
(٢) تاريخ الأمم والملوك: ٢/ ٤٢١؛ والتنبيه والإشراف: ٢٤٦؛ والإصابة: ١/ ٥٦١.
(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم: ١/ ١٤٧، وقال: هذا حديث صحيح. وينظر:
الإصابة: ١/ ٥٦١.
(٤) صحيح ابن حبان، ذكر زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: ١٦/ ٨٤؛ وينظر:
الإصابة: ١/ ٥٦١.
(٥) سورة النساء، الآية (٩٥).


الصفحة التالية
Icon