وهكذا... فالقرآن الكريم حظي بأوفى نصيب من عناية النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، فلا تصرفهم عنايتهم بحفظه عن عنايتهم بكتابته.
ولكن بمقدار ما سمحت به وسائل الكتابة وأدواتها في عصرهم «١».
المطلب الثالث: خط المصاحف
قبل أن نتحدث عن خط المصاحف الذي كتب به القرآن الكريم.
والذي كتب بالكتابة العربية، وبالخصائص والمميزات التي كانت تمتاز بها آنذاك... لا بد أن نتحدث عن أصل الخط العربي، متى أنشئ وكيف وصل إلى بلاد الجزيرة العربية وبالذات إلى مكة قبل الإسلام؟
إن معرفة أصل الخط العربي مشكلة في التاريخ معقدة. تناولها بعض المؤرخين بالرواية تارة، وبالتخمين تارة أخرى. ويرجع ذلك إلى أن تاريخ الشعب العربي في الجاهلية وعلاقته آنذاك بالشعوب الأخرى من حوله، فلم يقيدوا كتابا إلا نتفا يسيرة جدا أثبتها الشعراء في قصيدهم، وتناقلها الرواة محرفة ومزيدة على مر الأجيال إلى أن جاءت إلينا غامضة متناقضة «٢».
إلا أن ابن أبي داود ذكر في كتابه المصاحف ثلاث روايات تبين لنا أصل الخط العربي، وكيفية دخوله إلى بيئة قريش «٣».
قال في باب خطوط المصاحف:
١ - حدثنا عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، حدثنا سفيان، عن مجالد عن الشعبي، قال: سألت المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من

(١) ينظر: مناهل العرفان للزرقاني: ١/ ٢٤٦.
(٢) ينظر: تاريخ القرآن: د. عبد الصبور شاهين: ٦١.
(٣) ابن أبي داود السجستاني هو أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني الحنبلي (٢٣٠ هـ- ٣١٦ هـ). ١٣/ ٢٢٣.


الصفحة التالية
Icon