وأما إذا كان ما قبل الأول من المثلين ساكنا، لم يخل الساكن من أن يكون حرف صحة أو حرف مدّ ولين، فإن كان حرف صحة لم يجز الإدغام، لأن الحرف الأول يصير ساكنا بالإدغام، وما قبله ساكن، فيحتاج إلى تحريك الحرف الساكن لأجل الإدغام، ولم يبلغ من قوة المنفصلين أن يحرّك لهما الساكن كما فعل ذلك في المتصل نحو: استعدّ واستمرّ، وذلك أنك إذا قلت:
علم موسى، وعبد داود، لم يجز أن تدغم أحد المثلين في الآخر لما ذكرنا، ومثل ذلك قوله تعالى: كُنْتُ تُراباً [النبأ ٤٠] «١».
وإذا كان الساكن الذي قبل المدغم حرف مدّ ولين، كان الإدغام جائزا، لأن المدّ الذي يكون فيه: عوض من الحركة، فيصير كأن الذي قبله متحرك، وذلك نحو قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ [البقرة ٢٤٧].
وأما إذا كان الحرفان متقاربين وليسا بمثلين، فإن ذلك لا يخلو إما أن يكون في كلمة واحدة أو كلمتين، فإن كان في كلمة واحدة لم يخل أيضا من أن يكون الأول منهما ساكنا أو متحركا، فإن كان ساكنا جاز الإدغام، نحو:
لَبِثْتَ [البقرة ٢٥٩].
وإن كان الأول متحركا فلا يخلو من أن تكون الحركة حركة عين كلمة أو لا تكون كذلك، فإن كانت الحركة حركة عين، لم يجز الإدغام، لأن حركة عين الكلمة مرادة لحفظ الصيغة، قالوا: وطد ووتد، فلم يدغموا لما ذكرنا «٢».
وأما إذا لم تكن حركة عين، فإنهم يسكنون الأول ويدغمونه في الثاني، وذلك نحو قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ [البقرة ٧٢]، والأصل: تدارأتم، قلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال، ولمّا سكنت الأولى بالإدغام اجتلبت لها ألف الوصل لسكون أول الكلمة، فبقي: ادارأتم.
(٢) كراهية أن يلتبس بباب مددت. انظر الكتاب: ٤/ ٤٧٤.