والثاني: أن القدامى أخطئوا حين جعلوا هذه الأصوات مجهورة «١».
والثالث: أن القاف والطاء كان لهما نطقان، أحدهما مجهور هو الذي خصّه القدامى بالوصف، والآخر مهموس هو الذي شاع بعد على الألسنة «٢».
والرابع: أن القاف والطاء كانتا عند وصف القدامى لهما مجهورتين، ثم طرأ تغيّر عليهما فأحالهما مهموستين «٣».
مع سكوت أكثر من قال بالثالث والرابع عن أمر الهمزة «٤».
ويبدو أن القدامى أرادوا من الجهر والهمس ما يريده المحدثون منهما.
وهم إن جهلوا منشأ افتراقهما، وهو اهتزاز الطيتين الصوتيتين، فقد أحسوا أثره، ودعوه بصوت الصدر «٥». ولا أدل على دقة إحساسهم هذا مما اصطلحوا عليه في ذلك من كلمتي (الجهر) و (الهمس)، قال مكي:
«وإنما لقّب هذا المعنى بالهمس، لأن الهمس هو الحسّ الخفي الضعيف، فلما كانت ضعيفة لقبت بذلك، قال الله جلّ ذكره: فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه ١٠٨]، قيل: هو حسّ الأقدام.» «٦»
«وإنما لقّب هذا المعنى بالجهر، لأن الجهر الصوت الشديد القوي، فلما كانت في خروجها كذلك لقبت به، لأن الصوت يجهر بها لقوتها.» «٧»

(١) انظر مناهج البحث في اللغة: ١٢٣، وعلم اللغة العام: ١٠٣.
(٢) انظر علم اللغة العام: ١٠٣، ١١١.
(٣) انظر الأصوات اللغوية: ٦٢، ٨٥؛ وعلم اللغة العام: ١٠٣؛ وفي التطور اللغوي: ٢١٤.
(٤) ذكر بعضهم أن الهمزة بحكم آلية نطقها لا يمكن إلا أن تكون مهموسة. انظر دراسات في فقه اللغة: ١٦٦.
(٥) انظر ص ٤٧ من هذا البحث.
(٦) الرعاية: ٩٢.
(٧) الرعاية: ٩٣.


الصفحة التالية
Icon