قال مكي: «ووجه القراءة بالجمع في (تصريف الرياح) هو إتيانها من كل جانب، وذلك معنى يدل على اختلاف هبوبها، فهي رياح لا ريح... وأيضا فإن هذه المواضع أكثرها لغير العذاب، وقد قال النبي عليه السلام حين رأى ريحا هبت:
(اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) «١»
، فعلم أن الريح بالتوحيد أكثر ما تقع في العذاب والعقوبات، وليست هذه المواضع في ذلك، واعلم «٢» أن الرياح بالجمع تأتي في الرحمة، فواجب من الحديث أن يقرأ بالجمع إذ ليست للعقوبات.
ووجه القراءة بالتوحيد أن الواحد يدل على الجمع، لأنه اسم للجنس، فهو أخف في الاستعمال، مع ثبات معنى الجمع فيه.
والاختيار الجمع، لأن عليه الأكثر من القراء، ولأنه أبين في المعنى، لأنه موافق للحديث.» «٣»
ومنه قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة ٢٧١]، قال ابن خالويه:
«وقرأ أبو عمرو ونافع في سائر الروايات وعاصم في رواية أبي بكر: (نعمّا هي) بكسر النون وإسكان العين.
وزعم بعض النحويين أنه أردأ القراءات، لأنه قد جمع بين ساكنين: الميم والعين، وليس أحدهما حرف لين، والاختيار إسكان العين، لأن هذه اللفظة رويت عن رسول الله ﷺ أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: (نعمّا بالمال

(١) جزء من حديث في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين الهيثمي، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار الفكر، بيروت، ١٩٩٤ م، كتاب الأذكار، باب ما يقول إذا هاجت الريح، برقم (١٧١٢٦)، ص ١٠/ ١٩٥؛ قال: «وفيه حسين بن قيس... المقلب بحنش، وهو متروك».
(٢) كذا، ولعل الصواب: وعلم.
(٣) الكشف: ١/ ٢٧١، وانظر الحجة (خ): ٩١، والحجة (ع): ٢/ ٢٥٧، ٤/ ٣٤ - ٣٥، والحجة (ز): ١١٩، والهداية: ١/ ١٨٦، والموضح: ١/ ٣٠٧.


الصفحة التالية
Icon