وأما الأمر الآخر، وهو اجتلاب همزة وصل قبل الحرف وهو ساكن، فلأن هذا من سنن العرب في كلامها الذي لا تستطيع عنه مصرفا. قال سيبويه:
«قال الخليل يوما وسأل أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في (لك) والكاف التي في (مالك)، والباء التي في (ضرب)؟ فقيل له: نقول: باء، كاف. فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف، وقال:
أقول: كه، وبه. فقلنا: لم ألحقت الهاء؟ فقال: رأيتهم قالوا: عه، فألحقوا هاء حتى صيّروها يستطاع الكلام بها، لأنه لا يلفظ بحرف. فإن وصلت قلت: ك وب فاعلم يا فتى، كما قالوا: ع يا فتى.
فهذه طريقة كل حرف كان متحركا، وقد يجوز أن يكون الألف هنا بمنزلة الهاء، لقربها منها وشبهها بها، فتقول: با وكا، كما تقول: أنا...
ثم قال: كيف تلفظون بالحرف الساكن نحو ياء (غلامي)، وباء (اضرب)، ودال (قد)؟ فأجابوا بنحو مما أجابوا في المرة الأولى، فقال: أقول: إب، وإي، وإد، فألحق ألفا موصولة. قال: كذاك أراهم صنعوا بالساكن؛ ألا تراهم قالوا:
ابن واسم، حيث أسكنوا الباء والسين، وأنت لا تستطيع أن تكلّم بساكن في أول اسم كما لا تصل إلى اللفظ بهذه السواكن، فألحقت ألفا حتى وصلت إلى اللفظ بها، فكذلك تلحق هذه الألفات حتى تصل إلى اللفظ بها كما ألحقت المسكّن الأول في (الاسم).» «١»
وعلى هذا فلا وجه لما ذكره د. حسام سعيد النعيمي من تحذير الدراسة الحديثة من الإتيان بهمزة الوصل لمعرفة مخرج الحرف، بحجة «أن الحرف حينئذ لا يتحقق فيه الاستقلال الذي هو أساس التجربة الصحيحة» «٢».
(٢) الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني: د. حسام سعيد النعيمي، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد، بغداد، ١٩٨٠ م، ص ٣٠٢.-