بعده، وذلك بأن الإدغام «إنما يكون لتقارب الحروف في المخارج، والإظهار إنما يكون لتباعدها.» «١»
فلما كانت المعرفة بأحد الطرفين تقود إلى المعرفة بالطرف الآخر، فما أيسر على اللغويين العرب أن يبحثوا الإدغام في لغتهم، ليصلوا إلى تحديد مخارج حروفها، وهو ما يغلب على الظن أنه ما كان.
وأما الاعتماد على أعضاء النطق فقط في تحديد المخارج، فغير كاف، لأن المخرج ليس نقطة، وإنما هو مساحة (حيّز) «٢»، وكثيرا ما تتداخل الأصوات في أحيازها، فضلا عن أن المخرج إنما يتحدد بعضوين من أعضاء النطق، إن كان صوت ما متقدما بالنظر إلى أحدهما فقد يكون متأخرا بالنظر إلى الآخر، والاعتماد على أحدهما تحكّم لا وجه له، وأحد هذين العضوين متحرك على الأقل. وكل أولئك صعوبات تجعل اعتبار الجانب الوظيفي للصوت في تحديد مخرجه أمرا لا مفرّ منه.
ولأجل هذا ما عدّ اللغويون العرب الغين والخاء من حيز الحلق مع الهمزة والهاء والعين والحاء، لاشتراكها جميعا في كثير من أبواب العربية، منها إظهار النون الساكنة والتنوين بعدها، ونزوعها إلى الفتح دون غيره من الحركات، مما سيأتي الحديث عنه بعد إن شاء الله «٣».
وعدّوا اللام والنون والراء من مخارج منفصلة وإن كانت متدانية، لأن إدغام هذه الحروف بعضها في بعض يختلف حكمه بين الواجب والجائز والممتنع، ولو كانت من مخرج واحد لم يكن إلا واجبا. قال المهدوي: «فكل حرفين كانا من مخرج واحد، متماثلين كانا أو متقاربين، فالإظهار لا يجوز فيهما.» «٤»

(١) الهداية: ١/ ٨٠.
(٢) انظر مدخل في الصوتيات: عبد الفتاح إبراهم، دار الجنوب، تونس، ص ٧٣.
(٣) انظر ص ٢١٦ من هذا البحث.
(٤) الهداية: ١/ ٨٠.


الصفحة التالية
Icon