والأمثلة على ذلك كثيرة... ولكن بمثل هذه الطريقة من البحث في سبيل الوقوف الصحيح على آراء الفرق، يمكننا أن نقطع نصف الطريق إلى عصر الاتفاق والانطلاق... أو إلى العصر الذي لم يؤد الخلاف اليسير الذي وقع فيه إلى تشويه الصورة، أو إلى رؤيتها رؤية «ذريّة» مفككة!
- ٦ -
ولعل صفحات هذه المقدمة السريعة تتسع للإشارة إلى أن هذه الذرية في النظر إلى آيات القرآن الكريم، أو ذلك التجزي للصورة وأخذها تفاريق... هو الذي دفع إلى تبني بعض المواقف والتفاسير الباطلة، ويفسر- من ثم- ذلك التشبث العجيب بمواقف لا يملك صاحبها حجة يدفع بها اعتراض الخصم... حتى صارت المذهبية في العقيدة «دينا» يحرّف من أجله التنزيل بتأويلات سمجة باردة!.
والواقع أن بناء الرأي أو الحكم على آية من الآيات وردت في سياق معين بدون النظر إلى هذا السياق، وإلى جميع الآيات التي وردت في موضوع تلك الآية... وإلى «روح» النص القرآني، وصحة الأمر بالتكليف الذي جاء به القرآن... كل ذلك قد دفع بأصحاب الفرق والمذاهب إلى محاولة التأويل والتلفيق... والتهجم على الخصم الذي تمسك بآية أخرى، على هذا النحو كذلك. وهذا أمر لا تكاد تخلو منه فرقة من الفرق. ومن أراد شواهد على ذلك فلينظر تفسير مثل قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ... ) عند القاضي عبد الجبار. ولينظر عند أبي الحسن الأشعري تفسير قوله تعالى: (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ)


الصفحة التالية
Icon