التحكم بالدعاء إلى فعل ما قد دل أنه لا يفعله ولا يريده، وليس كالدعاء بما في معلومه أنه يفعله لا محالة، لما في هذا من موقف الخاضع الراضي بحكمه.
«ويقال لم وجب أن الايمان هو الاسلام؟ الجواب: لقوله جل وعز:
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) - آل عمران ٨٥ - فلو كان الايمان غير الاسلام لكان من ابتغى الايمان دينا لا يقبل منه!
«ويقال: لم جاز أن يدعو لأبيه مع كفره؟ الجواب: لأنه على شرائط الحكمة بأنه إن كان ممن [له] لطف يفعل معه التوبة، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله: (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) - التوبة ١١٤ - وقد قال (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) - الشعراء ٨٦ - وقد قال أبو علي: إنما دعا لوالديه من المؤمنين، وهذا عدول عن الظاهر لا يسوغ مع ما بينا من قبل.
«وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه طلب المغفرة على شرائط الحكمة من الاجابة واليأس مع الاقامة على الكبيرة، لتوعد الظالم بما يصير إليه من العذاب الدائم».
وقد جرى في سائر تفسيره، كما يدل عليه هذا الجزء الذي بين أيدينا، على هذه الطريقة من السؤال والجواب بعبارة فائقة، ولعله لم يسبق في التفسير إلى مثل هذا العدد الكبير الذي لا يحصى من التعاريف اللغوية الدقيقة التي مزجها بفكر المعتزلة ومصطلحاتهم.