بتأويلاتهم في الآية الواحدة- أو الآيات- تبعا لتقسيمه لها إلى جمل ومقاطع «تفسيرية» حتى يظن أنه أسرف في الاختصار والتلخيص، أو أنه- على العكس من ذلك- لم يصل في اختصاره إلى الحد الذي ألمحنا اليه، فإنه في الواقع لم يخالف طريقته المعهودة في «التهذيب» في جميع الأحوال، ولنا أن نضرب على ذلك مثالا آخر من نقوله عن أبي مسلم أيضا، وهو تفسيره لآية (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ... ) «١» التي ألمحنا إلى اطالته القول فيها فيما تقدم، فنقوله المبعثرة فيها عن أبي مسلم قد تتجاوز ما نقله الرازي عنه في نفس الآية، ولكن الحاكم لم يزد في النقل عنه في تفسير قوله تعالى: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) على القول: قال أبو مسلم:
«أي لم ينزل السحر على الملكين- وكان الحاكم قد قدم في إعراب الآية أن أبا مسلم يذهب إلى أن «ما» نافية- لأن ما ينزل عليهما ينزله الله تعالى، والسحر لا يضاف اليه، ولهذا أضافه إليهم وكفّرهم به، ويعلمون الشياطين دون الملكين» «٢».
في حين أن الرازي ينقل عن أبي مسلم في إنكاره أن يكون السحر نازلا عليهما الوجوه الآتية: «الأول: أن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزله هو الله، وذلك غير جائز لأن السحر كفر وعبث، ولا يليق بالله
(٢) التهذيب ورقة ١٣٢.