ولعل أهم مسألة تتصل بباب الوعيد هي الشفاعة التي طعن بها المرجئة على المعتزلة قولهم بدوام عقاب الفاسق، وقد عرّف الحاكم الشفاعة بأنها «مسألة الطالب الحاجة لغيره» قال: «وهي على وجهين: عفو عن ذنب، وتبليغ منزلة أجلّ من منزلته» ولا خلاف عند المعتزلة أن النبي صلّى الله عليه وسلم يسفع لأمته على هذين الوجهين، ولكنهم إنما يثبتونها للتائبين من المؤمنين وأصحاب الصغائر، وعند المرجئة أنها للفساق من أهل الصلاة. قال القاضي:
إن المشفوع إليه إذا أجاب الشفيع يكون مكرما له، فكما تقبح الشفاعة لمن قتل ولد الغير وترصد للآخر حتى يقتله، تقبح الشفاعة للفاسق الذي مات على الفسق ولم يتب
«١»
. قال الحاكم في قوله تعالى:
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ؟) «٢» إن الآية تدل على أنه صلّى الله عليه وسلم لا يشفع لمن في النار، فيبطل قول المرجئة في الشفاعة. وتدل على أنه تعالى لا يخلف الوعد والوعيد.
وقال في قولة تعالى: (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) «٣» إن الآية تدل على أن أهل النار لا ناصر لهم، فلو كان يشفع النبي صلّى الله عليه وسلم لكان ذلك أعظم نصرة. قال: «فيبطل قول المرجئة في الشفاعة لأهل الكبائر».
ولمح الحاكم هذا المعنى أيضا فى قوله تعالى: «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ

(١) انظر شرح الأصول للقاضي، ص ٦٨٨.
(٢) الآية ١٩ سورة الزمر، ورقة ١٠/ ظ.
(٣) الآية ٤١ سورة الدخان، ورقة ٤٥/ و.


الصفحة التالية
Icon