والذي يود الحاكم تأكيده من وقوفه الدائب أمام هذه الآيات هو أن يثبت أن الله تعالى إنما يعرف بأفعاله، وأن هذه الأفعال دالة عليه وعلى صفاته، «إما بنفسه ككونه قادرا عالما، أو بواسطة ككونه حيا سميعا بصيرا» كما قال في تفسيره لقوله تعالى: (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) «١» وقال في قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) «٢» إن الآية تدل على وجوب النظر وفساد التقليد، وأنه تعالى يعرف بأفعاله.
ب- فساد التقليد: ولما قال الحاكم بوجوب النظر، حكم بفساد التقليد لأنه قد يؤدي إلى جحد الضرورة، لأن تقليد من يقول بقدم العالم مثلا ليس بأولى من تقليد من يقول بحدوثه- والقول بهما أو بغيرهما محال- إلا أنّ الحاكم هنا يشتد على الذين يذهبون إلى التقليد ويحمل عليهم حملة شعواء لا يزيد عليها إلا حملته على المجبرة، ويقف في كلا الحالتين أمام آيات كثيرة قد لا يجد غيره من المفسرين فيها ما يجده هو من الرد على هؤلاء.
ونبدأ معه بتفسيره لقوله تعالى- في مطلع سورة الجن- (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً)، فبعد أن شرح
(٢) الآية ٢٠ سورة الذاريات، ورقة ٦٧/ و.