الحاكم: «ولو كان الأمر كما تزعمه المجبرة في خلق الإعراض فيهم وسلبهم قدرة التدبر، وخلق القدرة الموجبة للإعراض لما صح قوله «فما لهم» لأن معناه: ما الذي منعهم؟! والعجب أنه تعالى يقول متعجّبا: ما الذي منعهم من الإيمان، وإنما أراد نفيا للمنع، والمجبرة تزعم أن هناك موانع كثيرة منها: خلق الكفر والإعراض فيه، ومنها: القدرة الموجبة له، ومنها:
الإرادة الموجبة له، ومنها: عدم القدرة على التدبر، وعدم خلق التدبر، وعدم إرادة التدبر، ومنها: كراهية التدبر منهم، وكل واحد منها مانع! فقد خالفوا كتاب الله في هذا مع مخالفتهم لكتاب الله وأوامره ونواهيه».
والآيات في هذا الباب كثيرة، نحو قوله تعالى: (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) «١»؟ وقوله: (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ... ) «٢» فلو كان هو الذي خلق الكفر لم يكن للتعجيب معنى!!
ج- جميع الآيات التي تضيف الفعل إلى الناس، والتي تأمرهم بفعل وتنهاهم عن فعل، وتعدهم الثواب وتتوعدهم بالعقاب، لأن كل ذلك لا يصح إلا والأفعال حادثة من جهتهم. والآيات من هذا النوع كثيرة جدا ولكن الحاكم لم يعف نفسه من الاستدلال بها والوقوف عند أكثرها للنقض على المجبرة، فقوله تعالى: (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً وَمَكَرُوا مَكْراً
(٢) الآية ٩ سورة فصلت، ورقة ٢٥/ و.