«المعنى»، وحتى عند ما كان يدع الأخذ بالظاهر في بعض الأحيان، ويلجأ إلى التأويل- على أسسه الخاصة- فإن اعتماده على اللغة لا يتخلف كذلك، بل ربما بدا هنا أكثر دقة ووضوحا لكثرة ما يضطر إلى إيراده من اللغة والشعر وأصول الاشتقاق في الكلمات في سبيل تأييد رأيه ومذهبه، ونلمح إلى ذلك هنا ببعض الأمثلة والشواهد لنؤكد أن قاعدته في أن مأخذ تفسير القرآن من اللغة- كقاعدة عامة- لم يدعه على أي اعتبار، وندع الحديث عن طريقة الحاكم في إيراد اللغويات في تفسيره، وعن أسسه في التأويل إلى محله من هذا البحث.
قال في «اللغة» في شرح قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) «١» إن الملاقاة: مصادفة الشيء للشيء، قال «وكل شيء صادف شيئا أو استقبله فقد لقيه، تقول: لقيت فلانا لقيا ولقيانا. والملقاة: المرة الواحدة، واللقية مثله. وليس اللقاء من الرؤية في شيء، وإنما يستعمل فيه مجازا، تقول: لقيت جهدا، ولاقيت شدة.
وهاهنا الخطاب للمؤمنين والكفار، والكافر لا يرى ربه بالاتفاق!»
ثم قال في «المعنى» في شرح «إنك كادح إلى ربك» قيل: عامل لله من خير أو شر، و «إلى» بمعنى اللام. وقيل معناه: إنك تعمل عملا في مشقة لتحمله إلى الله وتوصله اليه للجزاء. وقيل صائر بكسبك إلى ربك. وشرح الملاقاة هنا بأنك صائر إلى حكمه حيث لا حكم الا لله.
أو بمعنى ملاقاة جزائه، فذكر السعي وأراد الجزاء.

(١) الآية ٦ سورة الانشقاق: ورقة ١٣٩/ و.


الصفحة التالية
Icon