«وكلاهما ثابت لمن ينظر في المتشابه» «١».
بل إن مجيء القرآن مشتملا على المحكم والمتشابه يقتضي من الناظر فيه والمتأمل له إذا وقف على ما يدل بظاهره على الجبر والتشبيه، وما يدل على العدل والتوحيد أن ينظر في أدلة العقول وفي سائر ما نبه عليه تعالى في كتابه، ليعلم به أن ما يدل ظاهره على العدل فهو المحكم دون الآخر، فلا تهمل بذلك أدلة العقول، ولهذا كان كون القرآن كذلك ملجئا إلى العدول عن طريقة التقليد إلى طريقة النظر- وهو ما يحب الحاكم تأكيده على الدوام- لأنه إذا وجد القرآن مختلفا- بظاهره- لم يكن بأن يقلّد المحكم أولى من المتشابه، فيضطر إلى الرجوع الى الأدلة وتأملها، ولو كان جميع القرآن محكما لكان أقرب الى الاتكال على ظاهره وطريقة التقليد فيه!
ثم انه لا يجب في القرآن أن يبلغ في «البيان» أعلى الرتب! لأن ذلك لو وجب لوجب في المعارف أن تكون ضرورية، لأن ذلك أبلغ من تكليف النظر والمعارف، لامتناع السّفه فيها وتأتيه في المكتسب! فإذا لم يجب ذلك فغير واجب في البيان أن يبلغ نهايته في الوضوح.
بل لا يمتنع في المتشابه أن يكون أولى في البيان لأن أحدنا إذا خاطب غيره على عهد تقدم لا يكون ملبّسا وإن كان ظاهر الكلام منه، لو تجرد عن العهد، لم يدل على المراد، لكنه مع العهد دل على المراد لمكان التقييد والاتصال. وما مهده الله تعالى في العقول من المعارف والأدلة أوكد من العهد في هذا الباب، فيجب خروج الخطاب لأجله من أن

(١) المغنى الجزء ١٦ صفحة ٣٧٦.


الصفحة التالية
Icon