أما الرأي القائل بأن هذه الفواتح سر لا يعلم المراد منه، فقد رده بقوله: «وهذا لا يصح لأن الغرض من الخطاب الإفهام، ولأن الصحابة والتابعين، والعلماء بعدهم تكلموا في معنى هذه الحروف، فقوله يخالف إجماعهم» وعلق على الرأي القائل بأنها حروف مقطعة ولو وصلت صارت اسما من أسماء الله تعالى كقولك: الرحمن، فهو: «الر» «حم» «ن»، بأن هذا إنما يتأتى في بعض الحروف دون جميعها.
أما أهم الآراء الأخرى التي ذكرها ولم يعقب عليها، فهي: ١ - رأي المبرد وأبي مسلم الأصفهاني وجماعة أنها إشارة إلى حروف المعجم، وتنبيه على أنه تعالى أنزل كتابه من هذه الحروف وأنتم تتكلمون بها، فإذا عجزتم عن الاتيان بمثله دل على أنه كلام الله تعالى وأنه معجز.
٢ - رأى أبي بكر الزبيري- الذي سبقت الإشارة إليه عند الكلام على مصادر الحاكم في التفسير- أنه تعالى علم أن طائفة من هذه الأمة سوف تقول بقدم القرآن، فأشار تعالى بهذه الحروف إلى أن كلامه من جنسها، ليدل بذلك على أنه مسموع محدث غير قديم!.. ٣ - رأى الأخفش أنها قسم أقسم الله بها لشرفها ولأنها مباني الكتب المنزلة والألسن المختلفة وأسمائه الحسنى، وأصول كلام الأمم بها يتعارفون. ٤ - وأخيرا رأى قطرب وأبي علي- في روايته الأخرى عنه- أن الكفار لما تواطئوا على عدم سماع القرآن، وعلى أن يلغوا فيه، أحدث الله تعالى هذه الحروف التي لم يكن لهم بها عهد ليستمعوا ثم يأتي الكلام بعدها فيكون حجة عليهم، فكأنها مرادة لإثارة الدهشة والاستغراب، وما يلازم ذلك من السماع والإصغاء،


الصفحة التالية
Icon