من سائر أسباب النزول نظرا لصحته أو لإجماع الصحابة عليه، أو ما شاكل ذلك من المرجحات!
٢) ولذلك فإن الحاكم لم يرجح سببا على آخر إلا في مواطن قليلة، كما أنه لم يصرح برفض بعض أسباب النزول، بحجة أنها من أخبار الآحاد أو أن الظاهر لا يدل على صحتها!! إلا لمخالفتها لمنهجه كما تقدم.
٣) ومن شواهده الموضحة لهذا الموقف من أسباب النزول، ما يلي:
أ- قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ، أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ.. ) «١» قال الحاكم: قيل: نزل قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) إلى آخر الآية في رجل من بني جميح يكنى أبا الأشدين، كان شديد القوة يضع الأديم تحت قدمه ويقول: من أزالني فله كذا، فلا يطيق أحد نزعه إلا قطعا، ويبقى موضع قدمه. وقيل إن أبا الأشدين هذا أنفق مالا كثيرا في عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإياه عني بقوله: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) لقوته!. وقيل: نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة كان يقول: أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد، أي أنفقت.
وقيل: بل نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وذلك أنه أذنب ذنبا فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتكفير، فقال لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات مذ دخلت في دين محمد. قال الحاكم «والأولى أنها على عمومها، فالمعتبر باللفظ لا بالسبب!».

(١) الآيات ٤ - ٧ سورة البلد، ورقة ١٤٦/ و.


الصفحة التالية
Icon