واستمرت الحال بالأشاعرة كحال غيرهم في وقت ملىء بالفتن والمنازعات، حتى وزر للسلاجقة الوزير «نظام الملك» مدة تقرب من الثلاثين عاما استطاع خلالها أن يثبت حكم السلاجقة أنفسهم وأن يمكن للمذهب الأشعري لدى العامة والخاصة عن طريق الدرس والتنظيم، والواقع أن نظام الملك كان أفضل رجال السياسة من حماة العلوم، مثّل في الدولة السلجوقية دور الصاحب لدى البويهيين، ولم يكن يقل عنه ولعا بالعلم والمعرفة وحبا للعلماء وتقريبا لهم، إن لم يفقه في الأناة وسعة الصدر. ويفيض المؤرخون وكتاب التراجم في الثناء على نظام الملك، وعلى حنكته ودهائه وتدينه وورعه وعدله بين الناس «١» وقد لا يكونون مغالين في ذلك إذا ذكرنا إصلاحه الاجتماعي الذي تجلى في تأسيس القضاء على الفنن القائمة، والاحتيال على التخفيف من آثارها بالحكمة والدهاء. وقد رأى نظام الملك أن سبيل الاستقرار إنما يكون في التمكين للمذهب الأشعري في نفوس عامة المسلمين عن طريق العلم والمعرفة، فبنى المدارس «النظامية» في بغداد وبلخ ونيسابور وهراة واصبهان والبصرة ومرو وطبرستان والموصل «٢» ودعا أئمة «أهل السنة» للتدريس في هذه المدارس، فكان أبو إسحاق الشيرازي على رأس مدرسة نيسابور «٣» وقد تم افتتاح نظامية بغداد عاشر
(٢) طبقات الشافعية ٣/ ١٣٧.
(٣) توفي أبو إسحاق الشيرازي سنة: ٤٧٦ فلما بلغ الخبر إلى نظام الملك قال يجب أن تغلق المدرسة سنة لأجله، وأمر أن يدرس مكانه الشيخ أبو نصر بن الصباغ. راجع ابن كثير ١٢/ ١٢٥ وتوفي إمام الحرمين سنة ٤٧٨.
المصدر السابق س ١٢٧.