«المغنى» للقاضي وبعض كتبه الأخرى، على الرغم مما تشتمل عليه من إحاطة فائقة، وغوص على دقيق المعاني قد لا يتيسر تصويره والتعبير عنه ورد الاعتراضات من دونه، إلا للقليل من الأفذاذ أمثال القاضي، إلا أن كثرة التفريعات التي يحتوي عليها كتاب المغنى بخاصة، مع محاولة القاضي الدائبة لربط الفروع بالأصول، ورد المسائل البعيدة المتناثرة إلى أصولها القليلة الجامعة، خلع على هذا الكتاب شيئا من الصعوبة في كثير من المواطن، كما جعل فرص الاستفادة منه غير ميسرة على الوجه الأكمل، إلا لمن وطّن نفسه على إدامة النظر في جميع أجزاء الكتاب، وعلى القراءة الطويلة فيه، في سبيل الوقوف على مسألة من المسائل!
ومن هنا تأتي واحدة من أهم ميزات الحاكم، وهي أنه جعل من كتاباته الكلامية- كما يدل على ذلك كتابه «شرح عيون المسائل» - تلخيصا ذكيا ودقيقا لكتب القاضي ولآراء المدرسة الجبائية، بعبارة سهلة قريبة واضحة قد تفوق عبارة للقاضي- الذي وضع كتابه «المغنى» بطريقة الإملاء- على التحقيق.
فإذا أضفنا إلى ذلك النقص الواقع في كتاب المغنى، والذي يسده (شرح العيون) أدركنا أهم ميزة للحاكم- على الإطلاق- بوصفه «ملاخلّا» ضروريا وهاما- ومدرسيا كذلك- إلى المدرسة الجبائية والقاضي عبد الجبار.
٥) ولعل هذا يفسر طرفا من اعتماد أئمة الزيدية وشيوخهم في اليمن على كتب الحاكم وعنايتهم بها، ونقلهم عنها في أكثر كتبهم ومصنفاتهم،- في الوقت الذي لم يكونوا يفتقدون فيه كتب القاضي- كما نجد ذلك


الصفحة التالية
Icon