«فإن قلت: كيف يكون الشيء الواحد مخلوقا لله معمولا لهم حيث أوقع خلقه وعملهم عليها جميعا؟ قلت: هذا كما يقال: عمل النجار الباب والكرسي، وعمل الصائغ السوار والخلخال، والمراد: عمل أشكال هذه الاشياء وصورها دون جواهرها، والاصنام جواهر وأشكال، فخالق جواهرها الله، وعاملو أشكالها: الذين يشكلونها بنحتهم وحذفهم بعض أجزائها حتى يستوي التشكيل الذي يريدونه!
«فإن قلت: فما أنكرت أن تكون «ما»
مصدرية لا موصولة، ويكون المعنى: والله خلقكم وعملكم كما تقول المجبرة؟ قلت: أقرب ما يبطل به هذا السؤال بعد بطلانه بحجج العقل والكتاب، أن معنى الآية يأباه إباء جليا، وينبو عنه نبوا ظاهرا، وذلك أن الله عز وجل قد احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله، فكيف يعبد المخلوق المخلوق، على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود وشكله، ولولاه لما قدر أن يصور نفسه ويشكلها. ولو قلت: والله خلقكم وخلق عملكم لم يكن محتجا عليهم، ولا كان لكلامك طباق!! وشيء آخر، وهو أن قوله (ما تعملون) ترجمة عن قوله (ما تنحتون) و «ما» في (ما تنحتون) موصولة لا مقال فيها، فلا يعدل بها عن أختها إلا متعسف متعصب لمذهبه في غير نظر في علم البيان ولا تبصر لنظم القرآن!!
«فإن قلت: اجعلها موصولة حتى لا يلزمني ما ألزمت، وأريد: وما تعملونه من أعمالكم. قلت: بل الالزامان في عنقك لا يفكهما إلا الاذعان للحق، وذلك أنك وإن جعلتها موصولة فإنك في إدارتك بها العمل غير محتج على المشركين، كحالك وقد جعلتها مصدرية، وأيضا فإنك قاطع


الصفحة التالية
Icon