كل ضروب الأحكام المفتعلة أو المنقولة... أو التي زالت أسبابها ودواعيها بزوال مخترعها وأصحاب المصلحة فيها... إن القرن الخامس- الذي مهدت به لهذا البحث- قد حفل بأبشع صور الخلاف بين أرباب الكلام وأصحاب الفرق، وقضي فيه لأسباب سياسية واجتماعية على بعض الفرق لمصلحة الفرق الأخرى.. ومضى الحكم لازما- في عصور الانحطاط- عند المقلدين والتقليديين، وقابلا للتلفيق والتوفيق عند بعض المفكرين والباحثين... فهل نبدأ اليوم من هنا وهناك ونفرض على البحث العلمي أن ينزل إلى سلحة لم يعد لها وجود... أو يجيب على مسألة طرحت خطأ على كل الوجوه؟! وإذا كان لا مجال للارتياب في وجوب البدء بمرحلة الرجوع السابقة إلى الصورة القرآنية... فهل نعود إليها من خلال الدراسة الموضوعية؟ أم من خلال غبار المعارك ومحاولة الانتصار لفرقة على أخرى، بالحق تارة، وبالباطل تارة أخرى؟!
إن من حقنا اليوم، بل من واجبنا كذلك- على ضوء هذه الحقيقة- أن نعيد النظر في الأحكام التي أطلقت على بعض الفرق، أو على بعض آرائها ومبادئها التي اشتهرت عنها وعرفت بها. ولست هنا أدافع عن المعتزلة- كما قد يتوهم البعض- أو أنتصر لهم!! فإن شيئا من ذلك لا يهمني، كما لا يهمني أن أكون الحكم لهم أو عليهم.. ولكن الذي يهمني، ويجب أن يهم كل باحث، هو النظر الموضوعي إلى تراثهم وتراث سائر الفرق الإسلامية، وعدم الانطلاق في الحكم على الجميع من أحكام اجتهادية لا تقبل الطعن أو النقض!