فمن لطيف ذلك ونادره قول البحتري: [من الكامل]
لو شئت لم تفسد سماحة حاتم | كرما، ولم تهدم مآثر خالد «١» |
وأنت إذا قلت: «لو شئت»، علم السّامع أنك قد علّقت هذه المشيئة في المعنى بشيء، فهو يضع في نفسه أنّ هاهنا شيئا تقتضي مشيئته له أن يكون أو أن لا يكون. فإذا قلت: «لم
تفسد سماحة حاتم»، عرف ذلك الشيء، ومجيء «المشيئة» بعد «لو» وبعد حروف الجزاء هكذا موقوفة غير معدّاة إلى شيء، كثير شائع، كقوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى [الأنعام: ٣٥]، ووَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل: ٩]، والتقدير في ذلك كله على ما ذكرت. فالأصل: لو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم، ولو شاء أن يهديكم أجمعين لهداكم، إلا أن البلاغة في أن يجاء به كذلك محذوفا.
وقد يتفق في بعضه أن يكون إظهار المفعول هو الأحسن، وذلك نحو قول الشاعر: [من الطويل]
ولو شئت أن أبكي دما لبكيته | عليه، ولكن ساحة البصر أوسع «٢» |
٣٥] أن يقول: «لو شئت بكيت دما»، ولكنه كأنه ترك تلك الطريقة وعدل إلى
(١) البيت في ديوانه. السماحة: الكرم. حاتم: هو الطائي المعروف. خالد: هو ابن أصمع النبهاني الذي نزل عليه امرؤ القيس. والبيت في الإيضاح (١١٢).
(٢) البيت للخريمي، أبو يعقوب إسحاق بن حسان شاعر عباسي من الموالي، والبيت من قصيدة يرثي بها أبا الهيذام عامر بن عمارة بن خريم أمير عرب الشام، وقائد المضرية في الفتنة بين القيسية واليمنية أيام الرشيد، وهو في الإيضاح (١١٢)، وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات والتنبيهات (٨٢)، وذكر تمام البيت:
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
(٢) البيت للخريمي، أبو يعقوب إسحاق بن حسان شاعر عباسي من الموالي، والبيت من قصيدة يرثي بها أبا الهيذام عامر بن عمارة بن خريم أمير عرب الشام، وقائد المضرية في الفتنة بين القيسية واليمنية أيام الرشيد، وهو في الإيضاح (١١٢)، وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات والتنبيهات (٨٢)، وذكر تمام البيت:
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع