مثال ذلك: أنك إن قدّرت في بيت أبي تمام: [من الطويل]
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه | وأري الجنى اشتارته أيد عواسل «١» |
فلو كان حال الكلم في ضمّ بعضها إلى بعض كحال غزل الإبريسم، لكان ينبغي أن لا تتغيّر الصّورة الحاصلة من نظم كلم، حتّى تزال عن مواقعها كما لا تتغير الصّورة الحادثة عن ضمّ غزل الإبريسم بعضه إلى بعض، حتّى تزال الخيوط عن مواضعها.
واعلم أنه لا يجوز أن يكون سبيل قوله: «لعاب الأفاعي القاتلات لعابه»، سبيل قولهم: «عتابك السّيف». وذلك أن المعنى في بيت أبي تمام على أنك مشبه شيئا بشيء، وجامع بينهما في وصف، وليس المعنى في «عتابك السيف»، على أنك تشبه عتابه بالسيف، ولكن على أن تزعم أنه يجعل «السيف» بدلا من «العتاب».
أفلا ترى أنه يصحّ أن تقول: «مداد قلمه قاتل كسم الأفاعي»، ولا يصحّ أن تقول:
«عتابك كالسيف»، اللهم إلّا أن تخرج إلى باب آخر، وشيء ليس هو غرضهم بهذا الكلام، فتريد أنه قد عاتب عتابا خشنا مؤلما. ثم إنك إن قلت: «السيف عتابك»، خرجت به إلى معنى ثالث، وهو أن تزعم أن عتابه قد بلغ في إيلامه وشدة تأثيره مبلغا صار له السّيف كأنه ليس بسيف.
(١) البيت في ديوانه (٢٤٢) ط، دار الكتب العلمية، بيروت، من قصيدة يمدح فيها محمدا بن عبد الملك الزيات، ومطلعها:
والبيت أورده السكاكي في المفتاح (٣١٦)، والقزويني في الإيضاح (٨٤)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٥٩)، وعزاه لأبي تمام، ولطائف التبيان (٦٤)، وشرح الصولي (٢/ ٣٣٣).
متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل | وقلبك منها مدّة الدهر آهل |
تطل الطلول الدمع في كل موقف | وتمثل بالصبر الديار المواثل |