من الأغراض ولم تجيء إلى فعل أو اسم ففكرت فيه فردا، ومن غير أن كان لك قصد أن تجعله خبرا أو غير خبر. فاعرف ذلك.
وإن أردت مثالا فخذ بيت بشّار: [من الطويل]
كأنّ مثال النّقع فوق رءوسنا | وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه «١» |
وليت شعري، كيف يتصوّر وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى؟ ومعنى «القصد إلى معاني الكلم»، أن تعلم السامع بها شيئا لا يعلمه. ومعلوم أنك، أيّها المتكلم، لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلّمه بها، فلا تقول: «خرج زيد»، لتعلمه معنى «خرج» في اللغة، ومعنى «زيد». كيف؟ ومحال أن تكلّمه بألفاظ لا يعرف هو معانيها كما تعرف. ولهذا لم يكن الفعل وحده من دون الاسم، ولا الاسم وحده من دون اسم آخر أو فعل، كلاما. وكنت لو قلت «خرج»، ولم تأت باسم، ولا قدّرت فيه ضمير الشيء، أو قلت: «زيد»، ولم تأت بفعل ولا اسم آخر ولم تضمره في نفسك، كان ذلك وصوتا تصوّته سواء، فاعرفه.
واعلم أن مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعا من الذهب أو الفضّة فيذيب
(١) البيت في ديوانه، وذكره الطيبي في التبيان (١/ ٢٧٨) وعزاه لبشار، وأورده أيضا في شرحه على مشكاة المصابيح (١/ ١٠٦)، والقزويني في الإيضاح، والسكاكي في المفتاح (٤٤٤، ٤٦١)، وأورده الرازي في نهاية الإيجاز (١٥٥)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (١٨٠)، والعلوي في الطراز.