ومن شأن ما غمض من المعاني ولطف، أن يصعب تصويره على الوجه الذي هو عليه لعامّة الناس، فيقع لذلك في العبارات التي يعبّر بها عنه، ما يوهم الخطأ، وإطلاقهم في «الاستعارة» أنها «نقل للعبارة عمّا وضعت له»، من ذلك، فلا يصحّ الأخذ به. وذلك أنّك إذا كنت لا تطلق اسم «الأسد» على «الرجل»، إلا من بعد أن تدخله في جنس الأسود من الجهة التي بيّنّا، لم تكن نقلت الاسم عما وضع له بالحقيقة، لأنك إنّما تكون ناقلا، إذا أنت أخرجت معناه الأصليّ من أن يكون مقصودك، ونفضت به يدك. فأمّا أن تكون ناقلا له عن معناه، مع إرادة معناه، فمحال متناقض.
واعلم أن في «الاستعارة» ما لا يتصوّر تقدير النقل فيه البتّة، وذلك مثل قول لبيد: [من الكامل]
وغداة ريح قد كشفت وقرّة | إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها «١» |
إذا هزّه في عظم قرن تهلّلت | نواجذ أفواه المنايا الضّواحك «٢» |
(١) البيت في ديوانه (٢٣٠) ط، دار القاموس الحديث، وأورده القزويني في الإيضاح (٢٧٧)، والمبرد في الكامل وعزاه للبيد، وأساس البلاغة (يدي). والبيت من معلقته المشهورة، والقرة والقر: البرد، يقول: كم من غداة تهب فيها الشمال وهي أبرد الرياح، وقد كففت عادية البرد عن الناس بنحر الجزر لهم.
(٢) البيت لتأبط شرا في شرح الحماسة للتبريزي (١/ ٤٩)، القرن بالكسر: المثل والكفؤ، وتهللت:
لاحت وظهرت من البشر والسرور.
(٢) البيت لتأبط شرا في شرح الحماسة للتبريزي (١/ ٤٩)، القرن بالكسر: المثل والكفؤ، وتهللت:
لاحت وظهرت من البشر والسرور.