وجوده، وأنه قد كان منه، يبيّن ذلك أنك تقول: «أمرت زيدا بأن يخرج غدا»، ولا تقول: «أمرته بخروجه غدا».
ومما فيه خطأ هو في غاية الخفاء قوله: [من البسيط]
ولا تشكّ إلى خلق فتشمته | شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم «١» |
شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم أن يكون هاهنا «جريح»، قد عرف من حاله أن يكون له «شكوى إلى الغربان والرخم»، وذلك محال. وإنما العبارة الصحيحة في هذا أن يقال: «لا تشكّ إلى خلق، فإنك إن فعلت كان مثل ذلك أن تصوّر في وهمك أن بعيرا دبرا كشف عن جرحه، ثم شكاه إلى الغربان والرّخم».
ومن ذلك أنك ترى من العلماء من قد تأوّل في الشيء تأويلا وقضى فيه بأمر، فتعتقده اتّباعا له، ولا ترتاب أنه على ما قضى وتأوّل، وتبقى على ذلك الاعتقاد الزّمان الطويل، ثم يلوح لك ما تعلم به أن الأمر على خلاف ما قدّر. ومثال ذلك أن أبا القاسم الآمديّ، ذكر بيت البحتري: [من البسيط]
فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق | وحاك ما حاك من وشي وديباج «٢» |
(١) البيت لأبي الطيب المتنبي في ديوانه (٢/ ٢٦٢) من قصيدة قالها بالكوفة يرثي أبا شجاع فاتك ويذكر مسيره من مصر. ومطلعها:
تشك: أي تتشكى. الرخم: اسم طائر.
(٢) الديوان (١/ ٣٨٧) يمدح إسحاق بن كنداج.
(٣) أي الآمدي صاحب كتاب الموازنة (١/ ٤٩٧ - ٤٩٨) طبعة دار المعارف.
حكام نحن نساري النجم في الظلم | وما سراه على خف ولا قدم |
ولا يحس بأجفان يحس بها | فقد الرقاد غريب بات لم ينم |
(٢) الديوان (١/ ٣٨٧) يمدح إسحاق بن كنداج.
(٣) أي الآمدي صاحب كتاب الموازنة (١/ ٤٩٧ - ٤٩٨) طبعة دار المعارف.